\r\n
\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين \r\n \r\n \r\n \r\nصور عدل الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين أنه كان لا يأخذُ الجميع بظلم الواحد، ولا يعمِّمُ في الأحكام؛ ففي كل قبيلة الصالح والطالح، وفي كلِّ فريق الوفي والغادر، ولا يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا بذنبٍ ارتكبه آخرون، ولو كان هذا الذنب عظيمًا جدًّا.. قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]. وقال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. \r\nومن الأمثلة البارزة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تدلُّ بجلاءٍ على هذا المعني ما حدث من عمرو بن أمية الضمري[1] رضي الله عنه بعد حادثة بئر معونة[2]، والقصة بإيجاز كما رواها أَنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ. فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ[3]. \r\n \r\nفهذه كارثة أصابت المسلمين، وراح ضحية الغدر فيها سبعون من كرام الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين-، ووصل الأسى والحزن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن مكث شهرًا كاملاً يدعو على هؤلاء الغادرين، وهذا ليس أمرًا معتادًا في حياته صلى الله عليه وسلم، بل لعلها المرة الوحيدة التي وصل فيها حزنه إلى هذه الدرجة، ولم ينجُ من هذه الكارثة إلا صحابي واحد هو عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، الذي أعتقه عامر بن الطفيل[4] لرقبة كانت على أمه، وعاد عمرو بن أمية إلى المدينة المنورة، وفي طريق عودته التقى برجلين من المشركين من بني عامر، وهي فرع من فروع بني سليم التي قامت بقتل الصحابة السبعين، فرأى عمرو بن أمية أن قتلهما يعدُّ ثأرًا لأصحابه، فقتلهما بالفعل، ثم فوجئ بوجود عهد لهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمان، فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى له القصة، فماذا كان ردُّ فعله صلى الله عليه وسلم؟! \r\n \r\nلقد تناسى صلى الله عليه وسلم أحزانه تمامًا، وحكَّم دينه وعقله، ولم يُحَكِّم عاطفته وهواه.. لقد قال لعمرو بن أمية: «لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لأَدِيَنَّهُمَا»[5]. لقد قرَّر أن يدفع الدية لأهلهما!! \r\n \r\nإنه صلى الله عليه وسلم لم يقُلْ: لقد خان الآخرون العهد وقتلوا سبعين، فمن حقي أن أخونَ العهد وأقتل رجلين.. إنه لا يأخذ أحدًا بجريرة أحد.. الرجلان العامريان لم يخطئا، ولم يرتكبا ذنبًا يستحق القتل، ومعهما عهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجب أبدًا أن يُقتلا مهما كانت الظروف. \r\n \r\nوليست الأزمة السياسية فقط هي الأزمة الوحيدة التي حدثت نتيجة قتل الصحابة السبعين، بل كانت هناك أزمات أخرى تمر بها المدينة المنورة، وقد تكون هذه الأزمات عاملاً مؤثرًا في اتخاذ القرار، وأهم هذه الأزمات هي الأزمات الاقتصادية، فقد كانت المدينة المنورة تمر بحالة شديدة من الفقر والاحتياج، وخاصة أن هذه الأحداث تقع بعد غزوة أحد بشهور، ومن ثَمَّ فهناك صعوبة كبيرة في تجميع القيمة المطلوبة لدفع الدية.. وسوف يحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاون مع اليهود بموجب الاتفاقية التي بينهما لجمع الدية اللازمة، وقد يدخل في أزمة مع اليهود؛ بسبب هذا المال المطلوب. \r\n \r\nإنها أزمات مركَّبة ومتعددة.. \r\n \r\nفليس العامل النفسي والقلبي هو الذي يؤثر على الموقف فقط، ولكن العامل الاقتصادي والسياسي أيضًا، ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على أداء الدية، وبالفعل توجه إلى بني النضير ليسألهم المساهمة في الدية كما قضى الاتفاق الذي بين المسلمين واليهود، وكانت هذه الزيارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير سببًا في غزوة بني النضير كما هو معلوم في السيرة[6]. \r\n \r\nأهناك في العالم -القديم والحديث- عدلٌ على هذا المستوى؟! \r\n \r\nوهل هناك من يدَّعِي بعد كل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعترف أو لا يحترم أو لا يعدل مع غير المسلمين؟! \r\n \r\nرسول الله الصادق الأمين \r\nإن ما نرويه هنا لَيُعَدُّ في حسابات الكثير من الناس ضربًا من الخيال، أو لونًا من ألوان الأساطير، ولكن الإسلام يحقِّق فعلاً على أرض الواقع ما لا يمكن تَخَيُّلُهُ في الأحلام والتخيَّلات. \r\n \r\nوما قلناه في حق العامِرِيَّيْنِ اللذيْنِ قُتِلا، وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما يُعتبر نقطة في بحر إذا ما قِيس بما فعله صلى الله عليه وسلم بأموال أهل مكة، التي كانت في حوزته قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة. \r\n \r\nوالموقف مشهور ومعروف، ولكن يحتاج إلى وقفات وتدبُّر.. \r\n \r\nلقد كان أهل مكة لا يثقون بأحد ثقتهم برسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كانوا يحتفظون عنده بأموالهم وودائعهم، ولا غرو، فهو الصادق الأمين، وحتى بعد أن اشتدَّ الإيذاء به صلى الله عليه وسلم، وحتى بعد أن وصفوه بالساحر والكذَّاب والكاهن والشاعر وغير ذلك من الصفات، كانوا لا يزالون يحافظون على عادتهم بحفظ الأموال عنده! وكان هو صلى الله عليه وسلم لا يمتنع عن أداء هذا الدور حتى مع حربهم له. \r\n \r\nثم كانت الهجرة إلى المدينة المنورة، وكان ترْكُ الديار والأموال والأعمال، وكان الظلم والتشريد والتنكيل، وكان تجاوز الحدود في كل ما هو سلبي من الأخلاق.. ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجربة أليمة، وهي ترك أحب بلاد الله إلى قلبه، وذلك كما صرَّح هو بنفسه صلى الله عليه وسلم بذلك قائلاً: «عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»[7]. وبرغم كل هذه الآلام إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على العدل إلى أقصى درجة ممكنة؛ فترك الودائع والأموال لعلي بن أبي طالب t، وأمره أن يردَّها إلى أهلها. وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليالٍ وأيامها، حتى أدَّى عن رسول الله r الودائع التي كانت عنده[8]. \r\n \r\nوما أحسب أن أحدًا في الأرض أتى بمثل ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من كمال العدل، ومن خصال الفضل. \r\n \r\nإن أيَّ إنسانٍ مكانه قد يجد ألف تأويل ليُبَرِّر لنفسه أن يأخذ هذه الأموال، ولا يردها إلى أهلها.. قد يبرر ذلك بأنهم سرقوا أمواله وأموال المسلمين، وصادروا داره وديار المسلمين، فهذا في مقابل ذلك. وقد يبرر ذلك بأنهم أكرهوه على الخروج، ولم يخرج بإرادته. وقد يبرر ذلك بأنهم خططوا لقتله، وكانوا جادين في هذا التخطيط إلى درجة أنه أفلت منهم بمعجزة حقيقية في اللحظة الأخيرة قبل نجاح خطتهم الآثمة. وقد يبرر ذلك بأنه سيأخذ الأموال لتنتفع بها الدعوة الإسلامية، خاصةً وهي في أوائل أيامها في المدينة المنورة. وقد يبرِّر ذلك بأسباب أخرى كثيرة تخطر على بال العديد من الناس. \r\n \r\nنعم، هناك مبررات كثيرة لفعل ما تريد، ولكن عندما تأتي إلى الحقيقة، وتتجرد من أي ميول شخصية أو أهواء ذاتية تدرك -بما لا يدع مجالاً للشكِّ- أن كل هذه المبررات غير مقبولة، وأن الحق أبلج واضح، وأن تطبيق العدل يحتاج إلى نفوس خاصة، وعزائم من طراز فريد.. إن هؤلاء المشركين الذين وضعوا أموالهم عنده صلى الله عليه وسلم قد وضعوها بناء على اتفاق بينهم وبينه بحفظ الأمانة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بموجب هذا الاتفاق أحرص عليهم وعلى أموالهم من آبائهم وأمهاتهم.. إنه لا يخون مهما كانت الظروف.. إنه لا يغدر مهما تعرض لإيذاء.. إن العدل يقتضي ألا يُؤاخَذَ أولئك الذين وثقوا فيه بجريرة أولئك الذين حاولوا -وما زالوا يحاولون- أن يقتلوه.. إنهم مشغولون بمطاردته لقتله، وهو مشغول بردِّ ودائعهم إليهم..!! \r\n \r\nلقد كانوا في قمة الغدر، وكان هو في قمة الوفاء! \r\n \r\nإنهم مشركون، وإنه رسول رب العالمين! \r\n \r\nوالفارق بينهم وبينه أبعد من الفارق بين السماء والأرض. \r\n \r\nوالجميل في الأمر أنه صلى الله عليه وسلم يفعل كل ذلك دون تَكَلُّفٍ ولا تَفَضًّلٍ.. إنه لا يطير بهذا الموقف في الآفاق ليتحدث عن نفسه كيف فعل وفعل، إنه لا يأمر أصحابه من الشعراء والأدباء أن يسهبوا في الحديث عن مواقفه وأعماله.. لقد كان يُغْفِلُ كلَّ ذلك لأن الله عز وجل أمره بكلِّ خُلُقٍ كريمٍ، فهو متجرِّدُ النية لله، مخلص العمل له عز وجل، لا يرجو من عباد الله جزاءً ولا شكورًا {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] \r\n \r\n\r\n \r\n |
\r\n \r\n \r\n |
\r\n \r\n |
\r\n \r\n |
\r\n \r\n \r\n
\r\nالموضوع الأصلي :\r\nوفاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين || الكاتب :\r\nحنين الأشواق || المصدر :\r\nشبكة همس الشوق
\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n
\r\n\r\n
\r\n
\r\n
\r\n\r\n\r\n
\r\n

\r\n
\r\n\r\n
\r\n \r\n\r\n\r\n\r\n\r\n\r\n
\r\n

\r\n
\r\n
\r\n\r\n\r\n
\r\n\r\n
19 - 2 - 2022, 01:32 PM
|
#8 |
رد: وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين | | | وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
الأعضاء الذين قاموا بتقييم هذا الموضوع : 0
| لم يقوم أحد بتقييم هذا الموضوع |
تعليمات المشاركة
| لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة لا تستطيع الرد على المواضيع لا تستطيع إرفاق ملفات لا تستطيع تعديل مشاركاتك كود HTML معطلة | | |  الساعة الآن 08:54 AM |